تواردت الينا اخبار ملحمة (كاوه والضحاك أي نوروز) جيلا بعد جيل، حيث يروى بأن الملك الطاغية (ضحاك) امر بناءا على توصية حكيمه (طبيبه) بقتل شابين من شباب رعيته كل يوم لكي يحضر له من مخيهما دواء خاص لمعالجة الآفة الفتاكة التي كانت قد المت به. وكان هناك ضمن رعاياه رجل باسم (كاوه الحداد) سبق وان شملته الارادة الملكية الجائرة فلم يبق له من اولاده احياءا غير ابن واحد. ولم يمض وقت طويل حتى دارت عليه دائرة الجور ثانية وعاودته المصيبة من جديد لتحيق بعائلة هذا المواطن المفجوع بذبح اولاده، فجاءت شلة من رجال الملك الطاغية لأخذ ابنه الوحيد المتبقي وارساله الى المذبحة قربانا للسلطان وطعاما مستساغا لأفاعيه الشرهة التي لاتعرف للاشباع من مخ الضحايا بحسب الاسطورة؟ معنى. فما كان من كاوه البطل ولقد بلغ السيل الزبى كما يقولون إلا ان يتمرد ويدعو الناس من امثاله المبتلين بنفس الآفة والفاقدين لابنائهم للتجمع ويحرضهم على الثورة ضد الظلم والطغيان ويتقدمهم هو بكل شجاعة واقدام للهجوم على وكر البلايا والمفاسد، البلاط, واستطاعت الجماهير المنتفضة بارادتها الفولاذية وايمانها الراسخ ووحدتها المتماسكة الاطاحة بعرش الطاغوت وخلاص العباد والبلاد من جور الحاكم المستبد وامر كاوه الحداد باشعال النيران على قمم الجبال العالية والربايا لاخبار الناس بالانتصار وايذانا بانبلاج عصر جديد من النور والحياة الحرة الكريمة. وصادف ان تقع تلك الاحداث الجسام في اليوم الاول من شهر نوروز المصادف ليوم 21 آذار الذي هو بداية فصل الربيع الزاهي في ربوع كردستان حيث تتفجر الينابيع وتتجدد الحياة فيها وتكتسي الطبيعة اجمل ثيابها…
فكان ذلك اليوم البهيج والرائع بحق عيدا سعيدا للناس وللطبيعة على حد سواء.
وقد دأب شعبنا الكردي على ان يحتفل بهذا العيد- نوروز- على مر العصور والازمنة باعتباره عيدا قوميا له، وخاصة في السنين الاخيرة.
حيث كانت الجماهير تتحدى السلطات الرجعية واجهزتها القمعية وتقيم الاحتفالات بالمناسبة سرا او علنا الى ان اضطرت حكومة بغداد ان تعترف (بعيد نوروز) وتعتبره عطلة رسمية في كافة انحاء العراق إلا ان اهم واحدث قرار بشأنه هو القرار رقم (2) الذي اصدره المجلس الوطني لكردستان العراق يوم 11/3/1997 والذي جاء فيه مايلي:
(تكون الاحتفالات الرسمية والشعبية في اقليم كردستان بمناسبة عيد نوروز لمدة ثلاثة ايام اعتبارا من 21/3 من كل سنة، وتعتبر ايام الاحتفالات عطلة رسمية في كافة انحاء الاقليم) وفي هذا المجال يجدر بي ان اعود بذاكرتي قليلا الى الوراء كي اذكر نتفاً وخواطر عن احتفالات مدينتي (كويه) بهذه المناسبة ومنذ الاربعينيات من القرن الماضي, حيث في يوم ربيعي خلاب من شهر اذار عام 1945 خرجت مدرستنا-كويسنجق الابتدائية الاولى- وكنت احد تلاميذ صفها السادس-مع مدرسة متوسطة كويسنجق للبنين مع بدايات النهار الجميل على انغام الطبل والموسيقى الشجية الى مكان جذاب بعيد آنئذ عن مركز القصبة ويشكل حاليا جزءا حيا منها يقال له (شاخى مشكه) للقيام ظاهريا بنزهة مدرسية (سه يران) والاحتفاء بعيد نوروز القومي في الواقع وكما تبين لنا ذلك في الاخير. إذ لم يكد التلاميذ والمدرسون ينهون وجبة الغداء المتكونة في اغلبها من الخبز والبيض المسلوق والشاي وذلك تحت اشعة الشمس الربيعية الساطعة ويداعبهم النسيم العليل وتشنف اسماعهم تغاريد الطيور والبلابل الصداحة، حتى توافد الى المكان مجاميع غفيرة من وجوه المدينة من المثقفين والمتنورين (السياسيين من جماعتي رزكارى وشورش خاصة) والادباء والشعراء وممثلين من الكسبة والعمال وغيرهم، واحتشدوا في الفسحة الخضراء واخذوا يلقون القصائد الحماسية (بالكردية طبعا) ويخطبون في الجمهور الحاشد والمتحمس ويشرحون لهم ماهية عيد نوروز واهميته لشعبنا الكردي ويحثونهم على التوحد والتكاتف والنضال ضد الرجعية والسلطات وقوانينها الجائرة وانظمتها المختلفة والعمل الدؤوب من اجل التحرر والعدالة الاجتماعية وتحقيق حقوق الشعب الديمقراطية والقومية المشروعة وكذلك يشجعونهم على الاهتمام بالثقافة والاكثار من مطالعة الكتب المفيدة ونبذ الخرافات والافكار البالية… والخ.
ثم اشعلوا النار في كومة الحطب التي جلبوها معهم من المدينة خصيصا لذلك وفي اثناء الاحتفال عرضت بعض النشاطات الفنية كالتمثيليات والاغاني والاناشيد الوطنية إذ قدم مطرب الشعب المرحوم طاهر توفيق انشودة (تا ده ست له مل هيوا نه كه م) وغيرها من الاغنيات، كما وانشد المرحومان (عمر عبدالله واحمد حه مه ملا) سوية قصيدة (له مه يدانى به هارا شاره كه ى كو) للشاعر الوطني الخالد (حاجي قادري كويى).
اما نوروز سنة 1946 فقد تم الاحتفال به بصورة رسمية حيث استحصلت الاجازة أي موافقة السلطة باسم كل من الشاعر (احمد دلزار) والمرحوم (حسام الدين طيب الملقب شه عب) من حزبي (شورش ورزكارى) لهذا الغرض، واقيمت المراسيم خلف (كه بره) حه مه صديق الواقعة على التل المشرف على بساتين (ئومه ر خوجان) الشهيرة قريبا من موقع احتفالات العام السابق لها، أي (شاخى مشكه). ونصب جهاز ارسال (راديو) مع مكبرتي صوت من قبل (مصطفى حاجي كريم) الخبير بالكهربائيات وذلك لبث برامج ومفردات الاحتفال محليا بواسطتها حيث القيت عدة خطب سياسية وقدمت الدبكات الكردية وعرضت تمثيلية بالمناسبة وتخللت الفعاليات وصلات من الاناشيد الوطنية الملهبة والاغنيات الكردية الشجية وقراءات القصائد الحماسية.
اما في الاعوام اللاحقة فان الاحتفال بهذا العيد القومي قد انتقل الى مواقع اخرى في (كويه) مثل (تاتووكان و كردى قازى محمد) وغيرها من الامكنة المناسبة واللائقة بمكانته.
*مستشار في برلمان كردستان