في شرقنا هذا كثيراً ما نهتم بالتاريخ.
وقليلاً ما نقرأه قراءة رصينة وحكيمة.
وقلّما نعرضه لأجيالنا عرضاً موضوعياً أميناً.
إن النوايا المبيَّتة تسطو على تواريخ شعوبنا بدهاء.
فتزيح ما هو حقيقي ومشترك وجامع وإستراتيجي.
وتُحلّ محلّه ما هو مزيَّف وأناني ومشتِّت ومرحلي.
ولا تكون النتيجة إلا مرارات وخلافات وخصومات.
التواريخ ليست خياماً نقتلعها ساعة نشاء، ونرحل بها بعيداً.
التواريخ ليست نزوات، ولا هي عنعنات تذروها الرياح.
التواريخ جغرافيا تركت بصماتها على جباهنا وفي مآقينا.
التواريخ وهج خلايانا، وعبق أنفاسنا، وخفقات قلوبنا.
التواريخ ذاكرات وذكريات، إضاءات وإشراقات.
التواريخ جينات وهويّات، وتجسّدات وتمثّلات.
ولنا أن نلعب بما نشاء، ونلغو كما نشاء، ونهفو كما نشاء.
إلا تواريخ الشعوب.. فإنها من المقدسات.
العرب والفرس والترك والكرد والأرمن والسريان والكلدان والآشوريون.
شعوب هذا الشرق العريق منذ آلاف السنين.. وما زالت.
هنا في هذا الشرق تجاوروا، وتخاصموا، في فترات من الدهر.
لكنهم، على المدى الأرحب، كانوا قد تآلفوا، وتفاعلوا، وتكاملوا.
إنهم تبادلوا الأدوار في شرقنا هذا شعباً إثر شعب.
تارة كانت القيادة والريادة لهذا، وتارة كانت لذاك.
ومن العدل أن يُحفظ لكل تاريخ مواقعه.
وأن تُنسب إلى كل شعب مآثره.
شعوب هذا الشرق ينبغي أن تظل متآلفة متفاعلة متكاملة.
وتلك هي مسؤوليتنا نحن مثقّفي هذه الشعوب.
بلى.. إن مسؤوليتنا نحن- المثقّفين- كبيرة وخطيرة.
ومن النبل أن نتحمّل مسؤولياتنا بوعي وبحكمة.
علينا أن نعيد قراءة تواريخنا بعمق.
ونعيد سردها على الأجيال بوضوح وصدق.
فنعطي كل ذي حق حقه، بلا ضرر ولا ضِرار.
ونرسم لكلٍ ملامحه بلا تقزيم ولا تفخيم ولا تضخيم.
لتكن المعلومة الصائبة هي الهدف.
فبقدر ما تكون المعلومة صائبة تكون المعرفة دقيقة.
وبقدر ما تكون المعرفة دقيقة تكون الرؤية رحيبة وعميقة.
وبقدر ما تكون الرؤية رحيبة وعميقة تكون العلاقات نبيلة وسليمة.
وبقدر ما تكون العلاقات نبيلة وسليمة يكون المستقبل مشرقاً.
وما حلقات هذه السلسلة إلا خطوة في ذلك الدرب الطويل.
د. أحمد خليل